«دلال» المزاد أو «مدير المزاد» بصيغة ألطف، وهو ما يطلق عليه بالإنجليزية «أوكشنير»، تثير في الذهن صورة شاهدناها في الأفلام، في العادة هي صورة رجل ذكي جدًا، لماح وبائع ماهر. وهذه الصورة قريبة جدًا للحقيقة وإن كانت مهنة مدير المزاد في الحقيقة معقدة أكثر وتتطلب قدرًا هائلاً من الثقافة والمعرفة والقدرة على الإقناع وصفات أخرى كثيرة كانت ضمن فصل دراسي قصير جدًا أقامته «كريستيز» بلندن لعدد محدود من الصحافيين المهتمين بالفنون.
وفي قاعة ملحقة بالدار في مقرها بشارع كينغ ستريت بحي سانت جيمس الراقي، التقينا مع نيك فينش، أحد أشهر مديري المزادات في الدار، يقول فينش إنه قضى نحو 35 عامًا في المهنة، مضيفًا بفخر أن أولى خطواته كانت في دور موزع البريد، حيث التحق بالدار في عام 1982، وهو ما زال طالبًا في المدرسة، وكانت تلك الخطوة التي غيرت حياته. يشير إلى أن دوره المتواضع في توزيع البريد على موظفي الدار أتاح له لقاء بعض الزملاء الموهوبين الرائعين، وأيضًا جعله يفهم طبيعة العمل، «تجد نفسك منغمسًا في هذا الجو، تدمن مجرد الوجود في هذا المبنى، وها أنا هنا بعد مرور 35 عامًا».
* جيمس كريستي.. من بيع الدواجن لبيع القطع الثمينة
الحديث عن مؤسس الدار جيمس كريستي (1730 – 1803) مهم في فتح صفحة تغير شكل المزادات العالمية. ففي عام 1766 أقام البائع الشاب أول مقر له في طريق «بال مال» بلندن حيث عقد أول مزاد. المبيعات اشتملت على ملاءات سرير وأكياس مخدات، وفي المزاد الثاني قام ببيع تابوت خشبي مصنوع بطلب خاص، إلى جانب بعض الخنازير الحية وعدد من الدواجن. ولكن كريستي قرر التحول من بيع القطع المنزلية لبيع قطع تحمل قيمًا جمالية، وهكذا في أقل من عام من افتتاحه صالة المزاد الخاصة به في «بال مال»، أقام جيمس كريستي أول مزاد لبيع اللوحات في شهر مارس (آذار) 1767.
ويحسب لكريستي أن ما ميز صالته هو الجو الذي خلقه كمدير للمزاد وخط به طريقًا جديدًا للمزادات يتمتع بالشفافية، فقبله كانت وظيفة مدير المزاد وظيفة روتينية. ولكنه بشخصيته الجذابة حول المزايدة إلى نوع من الفن، يتحول فيه مسؤول المزاد إلى مؤدٍ يقدم عرضًا للجمهور عبر منبره الخشبي. وتوج النجاح توجه كريستي ومنحه طريقًا نحو أوساط النبلاء، حيث حول مقر الدار إلى حي سانت جيمس القريب من قصر باكنغهام.
يصف نيك فينش نجاح جيمس كريستي بأنه «ثورة» بكل المعاني، فهو أيضًا استفاد من الثورة الفرنسية على سبيل المثال، حيث هرب الأرستقراطيون من بلادهم وباعوا مقتنياتهم الثمينة، وكثير منها وجد طريقه لصالات كريستي. يشير فينش إلى أن نجاح كريستي كان مبهرًا لدرجة أن تضررت منه دار الأوبرا، حيث كان الجمهور يحرص على حضور المزادات أكثر من الحفلات الموسيقية، وأدى زحام الجماهير في وقت ما بكريستي إلى الاستعانة برجال أمن أقوياء للتحكم في الجماهير وتقنين الدخول للدار.